30 - 06 - 2024

وجهة نظري | شركات العقارات تبيع الهواء

وجهة نظري | شركات العقارات تبيع الهواء

أقرب لمن يشترى سمكا مازال يعيش في الماء .. هذا هو حال من قاده حظه العثر لشراء شقة من إحدى الشركات العقارية ، صحيح أن هناك شركات حسنة السمعة وملتزمة وتتمتع بثقل مادى يؤهلها للالتزام بتسليم الشقق في مواعيدها المحددة لكن على الجانب الآخر هناك من يتقاعس ويتعثر في ذلك إما بسبب ضائقة مادية تحول دون تسليمه لتلك الوحدات أو لأن بعض هذه الشركات ماهى إلا واجهة يعمل خلفها نصابون محترفون أتقنوا نصب الشراك ليخدعوا به كثيرين من حسنى النية ممن وثقوا فيهم وصدقوا عروضهم المغرية في شراء شقة العمر على أقساط طويلة الأجل تمتد لأكثر من سبع سنوات.

وبغض النظر عن مدى مصداقية والتزام الشركات العقارية فإن نظرة سريعة للعقود التي تمنحها كل هذه الشركات تجعلها أقرب لعقود إذعان .تحكم بنودها الخناق على العميل /المشترى لتلك الشقق بينما تتراخى في قبضتها فلا تحكم السيطرة على البائع /الشركات العقارية ، فلا تلزمها بنفس القدر بل تتراخى في تلك الالتزامات لتجعل البائع تحت رحمتها وسيطرتها، تضمن حقوقها عنده وتلزمه بكافة الالتزامات وتحكم السيطرة عليه بينما تترك يدها حرة بلا قيود حقيقية تجبرها على الوفاء بتعهداتها التي ينص عليها العقد بشكل محكم.

ففي الوقت التي تتقن فيه تلك الشركات عمل قائمة بقيمة الأقساط وتحدد بدقة مواعيد تسديدها ووضع غرامات مجحفة على المشترى في حاله تعثره عن عدم السداد تصل لفسخ العقد وإعتباره لاغيا في حالة تأخره عن سداد الأقساط لمدة 45 يوما دون تنبيه أو إنذار أو صدور حكم قضائى على أن يسترد المشترى المبالغ التي قام بسدادها بخصم 12 % من الثمن الإجمالى للوحدة وبنفس الطريقة التي سدد بها العميل بعد تصرف الشركة في الوحدة أي أن إسترداد ما دفعه في أقساط سابقة لايحصل عليه إلا على دفعات وأقساط وليس دفعة واحدة ..

على النقيض تتراخى بنود العقد في قبضتها على البائع / الشركات العقارية، ففي حالة تأخر الشركة في تسليم الشقة في موعدها المحدد وهى في كل الأحوال لن تقل عن ثلاث سنوات ومع ذلك يمنحها المشترى مهلة ثلاثة أشهر وإذا تاخرت بعدها يحق للمشترى حبس الأقساط لحين تسلمه للشقة مع إلتزامه بسداد كافة الأقساط المحبوسة دفعة واحدة. .

وذرا للرماد في العيون ينص العقد على غرامة توقع على الشركة في حالة تأخرها عن تسليم الشقة تصل إلى عشرة آلاف جنيه عن كل شهر تأخير بحد أقصى ستة أشهر، بعدها يحق للمشترى طلب فسخ العقد وإسترداد ماتم دفعه مضافا إليه 15% .ويبدو النص في ظاهره منصفا للمشتري ، لكن ماتحمله سطورا أخرى لاحقه له تجعل منه مجرد وعود في الهواء ، بعدما فتحت ثغرة يمكن النفاذ منها والتلكؤ وتبرير عدم الإلتزام في حالة تأخر الشركة بسبب تأخر الجهات الحكومية أو مايعد قانونا قوة قاهرة أو حدث إستثنائى يحول دون قيام الشركة بتسليم الوحدة في موعدها المحدد ـ كلمات مطاطية تحتمل التأويل وتفتح الباب على مصراعيه لتقاعس الشركات وعدم إلتزامها بتعهداتها دون أدنى مسؤولية أو عقاب ، وإحكاما لقبضتها على المشترى صاحب الوحدة أو الشقة يلزمه العقد أيضا في تلك الحالة بتسديد كل الأقساط في مواعيدها وتقديم شيكات بنكية بالاقساط المتبقية.

وهذه نقطة خطيرة أخرى ، فإلزام المشترى بتقديم شيكات بنكية بالاقساط المتبقية يمكن أن يعرضه للسجن في حال تعثره لاقدر الله عن السداد ، وهو مايؤكد مدى الإجحاف الذى يتعرض له وتفرضه عليه بنود عقود الإذعان الغريبة والتى تتفنن في ضمان حقوق الشركات وتترك لها البراح في عدم الإلتزام بتسليم الوحدات في مواعيدها دون عقاب رادع ، بينما تعرض المشترى للسجن في حال تعثره عن السداد بعد تسلمه الوحدة لأى ظرف لاقدر الله .

على جانب آخر ، بينما تلتزم الشركة وتتعهد بخلو الوحدة والمشروع السكنى من كافة العيوب الظاهرة والخفية التي تخل بسلامة المبنى تطلب من المشترى في المقابل الإقرار بالإطلاع على كافة المستندات والرسومات وعلى أرض المشروع ويقر أنه قبلها على حالها وأنه أحاط بكل القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بالمشروع ، والواقع أنه يقر بذلك دون إطلاع إما لحسن النية أو لقلة الخبرة أو لثقته بالشركة أو لتسرعه في إتمام عملية الشراء في عملية لهاث طويلة ودخول في مناقشات ومباحثات مع شركات عقارية كثيرة تخرج منها بيقين أن لا فروق حقيقية بينها في تلك العقود المجحفة التي لاتضمن أية حقوق للمشتري.

تلك القناعة تجعله يسرع بالتوقيع على عقد شراء الشقة ليفاجأ بعدها بسيل آخر من البنود المجحفة أبرزها عشرات الآلاف مطالب بسدادها تحت بند "وديعة الصيانة" وبالطبع تتراوح قيمتها من شركة لأخرى وكله بشطارته.

أما المفاجأة الأكثر صدمة فهى إلزامه بسداد مصروفات ورسوم مقايسات الكهرباء والمياه لجهاز تنمية المدية أو الحى الذى يقع فيه العقار ، معنى ذلك أن آلافا أخرى يتعين عليه سدادها لجهاز المدينة أو الحى ولا أحد يخفى عليه ما تفرضه تلك الجهات من بيروقراطية وخلافه لتسهيل الأمور وتقديم خدماتها الجليلة التي لاتقدم إلا بعد استنزاف طاقة وجهد ومال طالب الخدمة.

حال شركات العقارات الذى لا يسر إلا عدوا لمن قادهم حظهم العثر للجوء إليها أملا في الحصول على شقة لا تقوى إمكاناتهم الحصول عليها إلا عن طريق السداد على أقساط ربما دفع البعض للتعاطف معهم ، ومن هنا بدأ الحديث يخرج بين الحين ولآخر للبحث عن طوق نجاة لهم ويضع الضمانات التي تكبل شركات العقارات وتحول دون إطلاق يدها وتجبرها على الإلتزام بتعهداتها .

تكرر الحديث كثيرا عن قانون تنظيم نشاط التطوير العقارى تنص بنوده على توقيع غرامة على الشركة العقارية تتراوح مابين مائة ألف ولا تزيد عن مليون جنيه لكل من زاول النشاط دون الحصول على ترخيص ، وهى تبدو للوهلة الأولى عقابا رادعا وإن كانت في حقيقتها ليس رادعة فما قيمة مليون جنيه تدفعها شركة حصلت على ملايين بالنصب والخداع.

ينطبق نفس الشيء على كافة العقوبات الأخرى الموقعة على الشركة سواء عند عدم التزامها بتسليم الوحدات في مواعيدها المحددة أو في حالة تسليمها غير مطابقة للمواصفات الفنية التى تم التعاقد عليها.

في يقينى أن البند الأهم الذى يجب ألا يغفله أي قانون يسعى لضمان جدية تلك الشركات هو إلزامها بتحديد مواعيد لكل مرحلة تمر بها الوحدة حتى إتمام تسليمها فمثلما ينص العقد على وضع جدول زمنى محدد وملزم للمشترى لسداد الأقساط ويعرضه عدم الإلتزام به أو حتى في حالة تعثره على سداد أي قسط للغرامة بل إلى فسخ العقد نفسه في حالة تأخره عن السداد لمدة معينة ، فالمنطقى أيضا أن تلتزم الشركات بوضع جدول زمنى لكل مرحلة يمر بها البناء وتفرض غرامة في حالة تقاعسها أو تاخرها عن القيام بتلك المرحة في موعدها المحدد وتصل أيضا لفسخ العقد .

القانون دوما لايحمى الساذجين ، لكنه الضمانة الوحيدة التي لايملك هؤلاء غيرها لضمان حقوقهم وإن كان يقينهم أن حبال المحاكم طويلة وإن حقوقهم المهدرة لن يكون من السهل عليهم استرداها إلا بعد سنوات لايعلم إلا الله مداها ..وهو للأسف "سلو بلادنا".. كان الله في عوننا جميعا.
-------------------------
بقلم: هالة فؤاد
من المشهد الأسبوعية

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان